السؤال للشيخ مشهور ابن سلمان :
هل يجوز للمسلم أن يتبرع بأحد أعضاءه أثناء حياته ويحتسبه عند الله عز وجل؟ وهل له أجر على ذلك؟ وهل يجوز للمسلم أن يوصي بالتبرع بأحد أعضاءه مثل الكلية أو العينين بعد موته، ويحتسبه عند الله، وهل يؤجر على ذلك؟
الجواب :
العلماء يقولون إن الإنسان يعيش في أربعة دور: الجنين في بطن أمه، والدنيا، والبرزخ، والجنة أو النار[ ] ، ويقولون: إن سعة حياة البرزخ بالنسبة إلى الحياة الدنيا[ ] ، كسعة حياة الدنيا[ ] بالنسبة إلى سعة حياة الجنين في بطن أمه، فلو قدر لنا أن نخاطب الجنين في بطن أمه ونخبره أنه يوجد بعد هذه الدار التي أنت فيها دار واسعة وفيها كذا وكذا من الدور والبحار والجبال والسعة، فلعله لا يصدق، ويقول أنا مرتاح هنا، ولا يوجد أوسع من هذا المكان! وكذلك أيضاً فإن الحياة الموجودة في البرزخ غير هذه الحياة، ولذا ليس بمجرد وضع الإنسان في القبر[ ] نقول إنه يتحلل، وانتهى الأمر، فالأمر ليس كذلك، وقد قال النبي[ ] صلى الله عليه وسلم: "يبعث الميت على ما مات عليه"، لذا فإن للإنسان كرامة في حياته وبعد الممات، فلو أن الإنسان يهلك ويتحلل ولا يوجد هناك حياة فنقول: "تبرع"، لكن بما أننا علمنا حياة أخرى العقل لا يدركها فلا يجوز لنا أن نفتي بأن يعبث بأي شيء من بدن الإنسان.
وأيضاً التبرع مقتضاه الملك، فلا يجوز لي أن أتبرع بشيء لا أملكه، وبما أننا لا نملك أنفسنا فلا يجوز لنا أن نتبرع، كما لا يجوز للإنسان أن ينتحر لأنه لا يملك نفسه.
ثم نقول: لماذا نستبشع ونستقبح من تبرع إحدى عضوين ظاهرين له؟ فلو أن رجلاً تبرع بيده أو رجله لكان أمراً قبيحاً، فلماذا إذا كان العضو باطناً لا يستقبح التبرع به! أما إن كان ظاهراً يستقبح؟!
ثم لا يمكن للطبيب أن يعطي للمتبرع بأحد عضويه ضماناً بأنه لا يحتاج إليه، فكيف للإنسان أن يتبرع بكلية مثلاً قد يحتاج إليها.
والمرض قدر لله عز وجل، والمريض إن صبر فله الأجر العظيم يوم القيامة[ ] ويجعلهم في منازلهم التي ما استطاعوا أن يصلوا إليها بطاعة وعبادة، إلا المرض[ ] والابتلاء، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يود أهل العافية لو قرضت جلودهم بمقاريض يوم القيامة[ ] لما يرون من الأجور لأهل البلاء"، لذا من ابتلي فليصبر، وأما أن ينتزع بأشياء لا نملكها في حياة لا نعرفها ولا نعرف أضرار التبرع عليها.
.. ومسألة التبرع نازلة من النوازل التي لا يوجد فيها نص شرعي ظاهر، ولا يوجد فيها اجتهاد للأقدمين من العلماء[ ] فالمعاصرون منهم المبيح، ومنهم الحاظر، والذي يميل إليه قلبي وأحبه لنفسي وإخواني أن يغلق هذا الباب ولا يفتح، فهذا هو الأسلم وهذه فتوى المحققين من العلماء[ ] المعاصرين.
وقد يستشكل هذا بمسألة سحب الدم والتبرع به؛ فنقول: إن سحب الدم مختلف وله أصل شرعي وهو الفصد والحجامة، والدم عضو متجدد بخلاف بقية الأعضاء فهي غير متجددة، فافترق الدم عن بقية الأعضاء من هذه النواحي، والله أعلم.
السؤال للشيخ عبيد الجابري:
وهذا سائلٌ - حفظكم الله - من المغرب يقول: ما حكم التبرع بالأعضاء بعد الموت؟
الجواب:
وهل يملكها؟، من شروط التبرع بالشيء مُلكِيَتُه، هي شروط البيع؛ الملكية، جواز التصرف إلى غير ذلك، فالأعضاء لا يملكها حتى يتبرع بها. نعم.
سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
س : ما حكم نقل الأعضاء بعد وفاة الميت دماغيا كما يقولون ؟
فأجاب رحمه الله :
المسلم محترم حيا وميتا ، والواجب عدم التعرض له بما يؤذيه أو يشوه خلقته ، ككسر عظمه وتقطيعه ، وقد جاء في الحديث: " كسر عظم الميت ككسره حيا " ويستدل به على عدم جواز التمثيل به لمصلحة الأحياء ، مثل أن يؤخذ قلبه أو كليته أو غير ذلك ؛ لأن ذلك أبلغ من كسر عظمه.
وقد وقع الخلاف بين العلماء في جواز التبرع بالأعضاء وقال بعضهم: إن في ذلك مصلحة للأحياء لكثرة أمراض الكلى وهذا فيه نظر ، والأقرب عندي أنه لا يجوز ؛ للحديث المذكور، ولأن في ذلك تلاعبا بأعضاء الميت وامتهانا له ، والورثة قد يطمعون في المال ، ولا يبالون بحرمة الميت ، والورثة لا يرثون جسمه ، وإنما يرثون ماله فقط. والله ولي التوفيق.
وسُئل رحمه الله :
س: إذا أوصى المتوفى بالتبرع بأعضائه هل تنفذ الوصية ؟
فأجاب رحمه الله :
الأرجح أنه لا يجوز تنفيذها ؛ لما تقدم في جواب السؤال الأول ولو أوصى ؛ لأن جسمه ليس ملكا له . اهـ .
وفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
المنع من التّبرّع ، وعلل ذلك رحمه الله بأنه لا يجوز للإنسان بيع شيء من جسده ولا يجوز له التبرّع بشيء منه ، ولو كان بعد وفاته ، واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام : كسر عظم الميت كَكَسْرِه حيا . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وهذا لا يعني أن يُترك المريض يموت ، بل يوجد من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ممن يتبرّع ، أو ممن لا يأخذ بهذا القول ، ويأخذ بالقول الآخر القائل بالجواز .
وإنما تكون الفتوى في حق المؤمن الحيّ أو المؤمن الْمَـيِّت .
أما غير المسلم فلا يشمله الحكم .
ألم يقُل النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " الحديث ؟
وقال : " لا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر " الحديث
ومثله قوله : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر " الحديث
وهذا يعني أن الأحكام يُخاطَب بها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .
فيوجد من لا يؤمن بالله واليوم الآخر أو من ضعف إيمانه بالله واليوم الآخر من يُخالف ذلك .
كما أن بعض الناس يقيس التبرّع بالأعضاء على التبرّع بالدّم ، وهذا خطأ في القياس ؛ لأن الدم يتجدد والأعضاء لا تتجدد .
وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول : أكثر ما يُخطئ الناس في التأويل والقياس .
ولا يصح قياس التبرّع بالأعضاء على معالجة المرض ، فإن التداوي مأمور به ، بخلاف التبرّع .
والله تعالى أعلم